يوم الخميس 27 مايو، شاهدت تعز مظاهرات شعبية تعلوها لا فتات وشعارات تدل على أن المواطنين الذين يسكنون في ذلك الجزء من المدينة الذي تديره مجموعات حزب الإصلاح، كانوا طوال السنوات الست الأخيرة في است الحمار.. يفتقرون لخدمات أساسية، مثل: المياه، الكهرباء، التعليم، العناية الطبية، وفقدوا الأمن، والعدالة.. أرجع المتظاهرون أسباب ذلك إلى سلطة فاسدة، قالوا إن بقاءها لم يعد مبرراً.. في اليوم التالي -يوم الجمعة- حاولت مجموعات حزب الإصلاح السيطرة على المظاهرات بتوجيهها الوجهة التي تريد، وقال كبير الإصلاحيين في تعز، وهو الشيخ عبد الله العديني، إن فساد السنوات الست سببه الفاسدون الثلاثة الكبار: المؤتمر الشعبي العام، الحزب الاشتراكي اليمني، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، على الرغم من أنه يعرف أن الناس يعرفون أن لا أدوار حقيقية للثلاثة في السلطة التعزية خلال الست العجاف، وأن هذه السلطة كانت وما تزال ماركة مسجلة باسم التجمع اليمني للإصلاح.
لم تكن مظاهرات بعد يوم الجمعة، ومع ذلك دعا وكيل المحافظة عارف جامل إلى عقد اجتماع.. الاجتماع عقد يوم السبت 29 مايو، وشارك فيه ممثلو فروع الأحزاب السياسية، وانتهوا إلى ضرورة ضبط الحالة الأمنية، وإحالة حالات الفساد للقضاء، والقبض على المطلوبين أمنياً، و تحسين أداء الإدارات التنفيذية، والعمل من أجل إصلاح المؤسسات الخدمية.. وكالعادة، كان لا بد أن يقرر المجتمعون الوقوف إلى جانب المحافظ.. وظهر للمتابع أن هذا الاجتماع كان رد فعل مقصوداً على التهم التي وجهها حزب الإصلاح إلى المحافظ ومساعديه بعد زيارة مدينة المخا، والاجتماع مع العفاشي طارق قائد المقاومة الوطنية- رئيس المكتب السياسي، وزيادة على ذلك أنهم تورطوا في الثناء الحسن، وفي يومين فقط أسقطوا الشائعات التي استغرق الإصلاحيون ثلاث سنوات لسبكها، ولتأتي أكلها.
كان يوم 30 مايو يوماً تعزياً مشهوداً، ففيه أصدرت سكرتارية الحزب الاشتراكي اليمني، وفرع التنظيم الوحدوي الناصري بياناً مدوياً.. وعلى الرغم من أن البيان كان بمثابة برنامج عمل متكامل ومتماسك، لإنقاذ محافظة تعز وأهلها من جبابرة الفساد، إلا أن البيات أغضب بعض الأطراف السياسية والعسكرية.. عقب ذلك البيان عقد التجمع اليمني للإصلاح اجتماعاً، خرج منه ببيان يؤيد اليقظة الشعبية، ويدعو الأحزاب والقوى الاجتماعية إلى (إتاحة المجال للرقابة الشعبية- الشبابية لممارسة دورها) في مناهضة الفساد.. هذه الرقابة الشعبية- الشعبية، بدأت عمليا في اليوم السادس من هذا الشهر.
في اليوم المذكور، شكا محافظ تعز إلى قائد المحور، وإلى مدير عام الشرطة أن أطقماً عسكرية قامت بإغلاق مكتب مصلحة الضرائب، ومكتب وزارة المالية، ومكاتب مديريات المدينة، وطردت الموظفين منها.. في البرقية التي أرسلها إلى الاثنين طلب منهما تحريك حملة أمنية لحماية مكاتب السلطة المحلية، وضبط الذين جاءوا على تلك الأطقم ليغلقوا المكاتب الحكومية.. لم يقصر قائد المحور، حيث أحال شكوى المحافظ إلى مدير عام الشرطة، وطلب من قائد اللواء 22 ميكا ضبط أربعة مغلقين هم: العقيد اليوسفي، العقيد الشجاع، الكامل، والخزرجي، لأنهم قاموا بإغلاق تلك المكاتب، وطردوا منها الموظفين العموميين.. أربعة.. نعم أربعة فقط تمكنوا من إغلاق مكتب وزارة، ومكتب هيئة عامة ومكاتب السلطة المحلية في ثلاث مديريات، في وقت واحد، وقد ذكر قائد المحور أسماءهم في البرقيات التي تعلوها كلمة (سري)، ولعله علم بالمغلقين قبل البدء بالإغلاق.
أن يشكو المحافظ إلى قائد المحور، فهذا سلوك تلقائي، بحكم التلقائية الشرعية، أما أن يبث التعزيون- الإعلاميون والكتاب والأكاديميون والنشيطون سياسياً، وفي وسائل الإعلام الاجتماعي- شكواهم إلى الرئيس هادي، ويطلبون منه تقنين سلوك الجيش الوطني في تعز.. فهذا هو الأمر غير المفهوم!
نعتقد أن المشار إليهم في العبارة السابقة، يدركون المحسوس، ويتوقعون أن رئيسا مهاجرا له سيطرة في الداخل.. وهم في الأولى محقون، وفي الثانية مخذولون.. فمن جانب يدركون أن مجموعات عسكرية وجماعات مسلحة في تعز، يقودها متخرجون من السجون ومعلمون، ومع ذلك يقال عنهم جيش وطني، بينما لا علاقة لهم بجيش ولا وطنية.. ولا علاقة لهذه المجموعات بالرئيس الشرعي والحكومة الشرعية، وما قامت به قبل أيام، أقوى دليل لمن شاء التوكيد أنها تتبع التجمع اليمني للإصلاح.. على أن ما فعلته قبل أيام ليس بالأمر الجديد، فقد سبقت إلى مثله من قبل، وهذا مظهر من مظاهر كثيرة: التدخل في الشأن المدني.. ممارسة وظائف عسكرية – مدنية في آن واحد.. انتهاكات يومية لحقوق المواطن، قتل، ضرب، تقييد حريات، اعتقال، إخفاء قسري، وهلم جرا.. لديها سجون خاصة سرية وعلانية تحتجز فيها مئات المواطنين، وتخفي فيها خصومها السياسيين.. تحصل وتجبي الأموال من مختلف المصادر بالإكراه.. تعتدي على الملكية الخاصة.. تملكت منازل وأراضيَ مملوكة لمواطنين بقوة السلاح.. الاستحواذ على معظم المساعدات الإنسانية التي تقدم للفقراء في محافظة تعز.. استولت على أراضٍ مملوكة للدولة.. حولت المدارس والمعاهد وسائر الهيئات العامة إلى ثكنات عسكرية.. نهب المولدات الكهربائية المملوكة للمؤسسة العامة للكهرباء وتكوين شركات خاصة لإنتاج الطاقة بتلك المولدات، فصارت المؤسسة تتعاقد معها لشراء الطاقة الكهربائية للمواطنين.
ومن جانب آخر، الرئيس هادي المهاجر ترك تعز وغير تعز للمتبارين، وجلس يشاهد وينتظر النتائج.. إذا تغلب مسلحو الإصلاح على الحوثيين هذا أمر جيد.. منذ العام 2018، لم يقم مسلحو الإصلاح بأي فعل يجبر الحوثيين على التراجع خطوة إلى الخلف بحوض الاشراف أو بالحوبان.. الرئيس هادي يدرك ذلك، وهذا أيضا أمر جيد بالنسبة له.. كان يقول إن العميد الحمادي قائد اللواء 35 مدرع، مؤسس حقيقي للجيش الجديد، ولما قتله حزب الإصلاح، قال لا بأس ما دام لديهم مشروع ويعيق الحمادي توسيع هذا المشروع.. وسيكون جيداً بالنسبة للرئيس هادي لو قدر مسلحو حزب الإصلاح على كسر القوى المسلحة التابعة للانتقالي بداية من طور الباحة.. وجيد أيضا لو أزاح الإصلاح المقاومة الوطنية من الساحل الغربي.. الرئيس هادي معني بالشئون الخارجية فحسب، يستقبل غريفيثس، يناقش مع تيموثي، يبحث مع مسعدة، يتصل بسعيد، يبعث برقية لموكلي.. فأنتم يا جماعة الخير يا حملة هموم التعزيين، إما ثورة تقتلع الفساد الإصلاحي، وقا هي إلا هي، وإما اتركوا حزب الإصلاح يتخبط بين بوله وبرازه.. فلا تشاركوه في سلطة تعز، فها هو يحملكم أخطاء وخطايا وجرائم وفساد السنوات الست، بينما هو وحده الحاكم الآمر الفاسد الناهي، فكيف لو كنتم شركاء؟ والإصلاح لا يعترف بشراكة ولا مشراكة، وعادته أنه يتخذ من الآخرين محارم.