الحروب لها نفع عام، كما في مثال الحرب العالمية الثانية، فقد حصدت رؤوس عشرات الملايين من البشر، وخربت العمران، واستقرت بعدها أوروبا، وهي إلى اليوم تنعم بالسلام، والأمن الذي لم يعكره سوى مهاجرين آوتهم بحكم التزام حكوماتها بالقيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان.
والتكفير في أوروبا مثل الحرب، كلاهما فقد مفعوله.. أما الحروب والتكفير في بلاد المسلمين فكلاهما مستمر، من المهد إلى اللحد.. ولو بحثت في هذه الآفة المدمرة وجدت العجائب: ابن رشد –مثلاً- نقل إلى كتاب من كتبه الكثار كلاماً للفيلسوف أفلاطون، ومنه: وقيل إن الزهرة أحد الآلهة.. والكلام منقول من كتاب لأفلاطون، فأخذ الخصوم السياسيون لابن رشد كتابه إلى الحاكم الأموي في الأندلس، وأروه تلك القولة الأفلاطونية، وقالوا له انظر عاقبة تقريب ابن رشد إليك، وإنعامك عليه، وتفضيله على الآخرين، إنه الآن ينكر وجود الله عز وجل، ويتخذ من الزهرة آلهة له من دون الله!
نجح المنافسون في إقناع الحاكم أن ابن رشد قد ارتد عن الإسلام، حيث قتل ابن رشد، ثم أمر من ينادي في الأسواق أن من لديه كتاباً أو ورقة لابن رشد عليه إحضارها يوم كذا إلى المكان الذي جمعت فيه كل مؤلفاته لكي تحرق.. وأقيمت محرقة حقيقية في سوق عام.. وبعد أن تخلص من ابن رشد خصومه السياسيون، أخرجوا ما عندهم من كتبه، وعن طريقهم وصلت إلى المشرق، وبقيت حية إلى اليوم.
الحلاج الصوفي المشهور، له شطحات من قبيل ما في الجبة إلا الله، لكنه كُفِّر بدوافع سياسية، من قِبل رجال دين منافسين وموالين للعباسيين، فأُحرِق وذر رماد جثمانه من أعلى منارة في بغداد.
محدثون وفقهاء كفَّروا أحمد بن يحيى الرواندي -الذي تنسب عليه فرقة الرواندية- استناداً إلى ما نقله إليهم الآخرون، أي خصومه السياسيون.. كفروه بناءً على ما سمعوه عنه.. قال ابن الجوزي إنه كان يسمع... يسمع أن ابن الرواندي كان إذا قرأ إنا أعطيناك الكوثر، يقول أجد في كلام أكثم بن صيفي أحسنَ من هذا.. وكان ابن الرواندي يقول إن الشيطان أخرج آدم من الجنة وضلل خلقه، بينما القرآن يخبرنا أن كيد الشيطان كان ضعيفاً، فأي ضعف هذا.. وأن ابن الرواندي كان يسخر ممن يتعجبون من قول الرسول لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية، ويقول إن المنجم يقول مثل هذا.. هم الذين نسبوا إلى ابن الرواندي ما في أنفسهم عن القرآن وصاحب القرآن، لكي يكفروه.. يقول لك: سمعنا أن ابن الرواندي قال، أخبرنا فلان أنه سمع عن ابن الرواندي أنه كان يقول.. وفي حقيقة الأمر لا يوجد دليل من كتبه.. وبعد موته سجل بعض المفسرين والمؤرخين في كتبهم شهادات تمتدح ابن الرواندي.. ولاحظوا أيضاً: في قائمة المرتدين عند الفقيه ابن الجوزي، ثلاثة: ابن الراوندي، وأبو العلاء المعري، وأبو حيان التوحيدي، وقال إن هذا الأخير هو أشدهم على الإسلام، لأن ابن الرواندي، وأبا العلا المعري، صرحا بينما هو (هو مجمجم ولم يصرح)! لام التوحيدي أنه (مجمجم) لم يكفر صراحة، يعني قراءة في القلوب.