د. صادق القاضي
عن الشيخ "سلطان البركاني" والأتباع.. و"الحديقة الخلفية"!
لا شك أن لمصطلح "الحديقة الخلفية" في الثقافة السياسية اليمنية المعاصرة، معاني حساسة تتعلق بالسيادة والاستقلال، والتبعية التقليدية المرفوضة التي تحكم علاقة اليمن بالسعودية منذ عام 1970م.
لكن هذا لا يفسر الحملة العارمة التي شُنّت ضد رئيس البرلمان "سلطان البركاني" إثر استخدامه هذا المصطلح عرَضاً وبحسن نية خلال مقابلته الأخيرة. مع وافر الاحترام للذين اعترضوا انطلاقاً من قيمهم الوطنية النبيلة.
القضية لا تتعلق بالبركاني بالضرورة، فبغض النظر عن الخطأ في استخدامه هذا المصطلح.. ما هو الصواب في هذه الحملة؟! وهل هي بريئة، وما نوعية دوافعها ومن يقف وراءها؟!
تنطوي الحملة على الكثير من المفارقات المضحكة المبكية. بدايةً بالأطراف التي تقف وراءها. وهي بشكل رئيسي، الجماعات الدينية الحاكمة المتصارعة في اليمن:
هذه الجماعات "الغيورة" ليس لديها مشكلة في التبعية، بل في نوع الطرف الأجنبي الذي يجب -من وجهة نظر أي منها- أن تكون اليمن تابعة له.! بمعنى أنها لا تختلف حول السيادة بل حول نوع السيد الأجنبي. وعلى هذا الأساس:
الحوثيون: يريدون اليمن أن تكون تابعة لإيران، كحربة فارسية في خاصرة العرب، وقاعدة عسكرية متقدمة في مواجهة دول الخليج.
لا يريدونها فقط.. بل حولوها فعلاً. بمجرد اجتياح صنعاء خرج النائب الإيراني علي رضا زاکاني ليصرح: أن صنعاء هي العاصمة العربية الرابعة التي أصبحت في يد إيران!
على الجانب الآخر. العملية أكثر فجاجة وبجاحة، مصطلح "الحديقة الخلفية" تبلور أصلاً لوصف الحالة التبعية التي صنعها "الإخوان" من خلال الجماعة والقبيلة و"اللجنة الخاصة" منذ عام 1970.
من تاريخه، وطوال العقود اللاحقة ظلوا هم حراس هذه التبعية، وذراع السعودية في اليمن، وما يزالون، ومن المضحك أنهم هم من يقودون هذه الحملة ضد رجل لم يكن ضمن الجهة التي عملت على جلب الوصاية الدولية لليمن تحت البند السابع، ولا خرج للترحيب بالتدخل العسكري الخليجي واستقباله بالزوامل والهتافات واللافتات.!
هم من قاموا بهذا الجلب والترحيب والتجنيد.. ولا شيء لوجه الله والوطن والسيادة والاستقلال.. حتى إنهم جمعوا في التبعية بين الأختين "السعودية وقطر". بل إنهم استكثروا على اليمن تمثالَ "وعل" أثرياً يرمز لاستقلال وعظمة الدولة اليمنية القديمة وأهدوه للأمير القطري.!
عن أي سيادة واستقلال يتحدث هؤلاء الذين يدعون تركيا منذ سنوات للسيطرة على اليمن "احتلال مباشر"، باعتبارها ولاية إسلامية، ويسمون الرئيس التركي "أردوغان" خليفة المسلمين.؟!
ربما من المهم في الأخير التأكيد على أن مصطلح "الحديقة الخلفية" أصبح كلاسيكيا منتهي الصلاحية في توصيف التبعية اليمنية الراهنة في ترديها وتشرذمها بين أطراف دولية متعددة ومتعادية.
لم تعد اليمن "حديقة خلفية" لدولة أخرى، بل أصبحت -بفضل "الثورات المجيدة" والجماعات الدينية "الرشيدة"- أشبه بعدد من المزابل والمتافل والمباول.. للعرب والعجم والمجتمع الدولي بأسره.!