إعلان جروندبرج.. سلام مسلوق أم عصيّ على النضج؟

تقارير - Monday 25 December 2023 الساعة 09:48 pm
المخا، نيوزيمن، خاص:

أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس جروندبرج، مساء السبت، ترحيبه بما وصفها "مستجدات" بشأن جهوده للتوصل إلى خارطة طريق ترعاها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن.

جروندبرج قال في إعلانه إن هذه المستجدات جاءت بعد سلسلة اجتماعات مع الأطراف في الرياض ومسقط، مشيراً إلى لقائه مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، وكبير مفاوضي جماعة الحوثي، محمد عبدالسلام، كأبرز اجتماعين في سلسلة لقاءاته.

>> خارطة غروندبرغ للسلام في اليمن.. ساحة جديدة للتلاعب الحوثي

قال جروندبرج إن "الأطراف" توصلوا إلى الالتزام بمجموعة من التدابير تشمل وقف إطلاق النار في عموم البلاد، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية للمواطنين والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة، وهي نقاط سبق الحديث عنها في تصريحات سابقة له، إضافة إلى الجانب الإنساني والاقتصادي، فما الجديد في هذا الإعلان؟

لا جديد في هذا الإعلان سوى أن المبعوث الأممي "سيعمل مع الأطراف في المرحلة الراهنة لوضع خارطة طريق تحت رعاية الأمم المتحدة تتضمن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها"، وهو ما يبعث على التساؤل حول خارطة الطريق السعودية التي يجري تداول أنبائها منذ أكثر من ثلاثة أشهر، كما يجري التبشير بقرب التوقيع عليها بين الأطراف اليمنية!!

سلام مسلوق أم عصيّ على النضج

يتزامن إعلان جروندبرج مع تحركات أمريكية لتشكيل تحالف عسكري بحري لإلجام مليشيا الحوثي عن شن هجمات إضافية على طريق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وهي الهجمات التي يعرف العالم أنها بدأت بعد الانتقام الإسرائيلي من الفلسطينيين بسبب هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي. خلال تلك الفترة كانت جهود السلام في اليمن تعيش حالة جمود، بينما كانت جهود المبعوث الأممي جروندبرج مستمرة، لكن على مستويات أدنى من أصحاب القرار في الحرب أو في السلم. بعد استمرار الهجوم الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة واستثمار المليشيا الحوثية لهذه الأحداث بشن هجمات على السفن لتعزيز موقفها الشعبي الذي كان في طور الانهيار، تحركت جهود الفاعلين الإقليميين والدوليين لدفع عملية السلام في اليمن إلى الأمام بأي طريقة كانت، المهم أن تتحرك. ومنذ زيارة المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينج أواخر أكتوبر الماضي إلى منطقة الخليج، عملت واشنطن على استخدام جهود السلام "المتراكمة" بتعبير ليندركينج، كورقة سياسية لإثناء مليشيا الحوثي عن شن الهجمات في البحر الأحمر.

>> خارطة طريق للحل أم تمكين أممي للحوثي.. نشطاء يشككون في جدوى تدابير غروندبرغ

تحركات واشنطن في استخدام السلام في اليمن كورقة لوقف هجمات الحوثيين، كانت مبنية بالتأكيد على سلسلة من التقارير وتحليل السياسات تجاه اليمن، وهو ما عبر عنه مايكل نايتس، الخبير المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق ودول الخليج، حيث قال في 7 ديسمبر الجاري، إن استمرار الهجمات الحوثية في البحر الأحمر يحتم على إدارة بايدن مراجعة خيارات الاحتواء. كما أكد أنه إذا تمت تقوية الحوثيين بصورة أكبر فقد يصبحون أداة جديدة يمكن لإيران و"حزب الله" اللبناني و"محور المقاومة" الأوسع نطاقاً استخدامها في مخططاتهم واستراتيجيتهم. بناءً على هذه المخاوف لدى راسمي ومحللي السياسات الأمريكية، يعتبر الاتفاق الذي يبشر به جروندبرج تقوية للحوثيين على حساب الأطراف المناوئة لهم في مجلس القيادة الرئاسي أو حتى من القوى الاجتماعية والقبلية غير المتوافقة معهم في مناطق سيطرة الجماعة.

مما لا شك فيه أن الحرب في اليمن طالت كثيراً وأن جهود السلام مستمرة منذ البداية، لكن طيلة السنوات الماضية من الحرب وتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات عسكريا لردع الحوثيين، اصطدمت جهود السلام بتعنت المليشيا الحوثية ومحاولة فرض شروطها في المفاوضات، كما اصطدمت كل جهود الحكومة الشرعية والتحالف العربي في كسر شوكة الجماعة الحوثية، بسياسات أمريكا وبريطانيا على وجه الخصوص، وهي السياسات التي حالت دون تحقيق الهدف الرئيسي لتدخل التحالف العربي، ما أدى إلى تقوية الحوثيين وامتلاكهم أسلحة صارت اليوم تهدد الملاحة البحرية ودول الجوار. هذه السياسات الأمريكية والبريطانية وحسابات مصالحها في المنطقة وصراعها مع إيران، بالإضافة إلى تعنت مليشيا الحوثي هي التي جعلت السلام في اليمن عصياً على النضج حتى اليوم، والسلام الذي تعسر نضجه إلى هذه الدرجة، لن تنضجه محاولات اللحظة الأخيرة لسلق خارطة طريق أساسها مختل.

أساسات السلام 

لم تنجح أمريكا في استخدام السلام في اليمن كورقة لإيقاف هجمات الحوثيين على البحر الأحمر، فلجأت لتشكيل حلف عسكري جديد لردعهم، لكن الدول العربية ليست مستعدة لغضب شعوبها لأن الحوثيين يرفعون شعار مناصرة فلسطين في وجه إسرائيل، وإسرائيل ما زالت مستمرة في قتل الفلسطينيين وتدمير قطاع غزة للشهر الثالث على التوالي. كما أن الحكومات العربية لن تتخلى عن الفلسطينيين أمام آلة القتل والتهجير الإسرائيلية، بمن فيها تلك الحكومات المطبعة مع تل أبيب، لكن لا يبدو أن واشنطن تدرك المأزق الذي هي فيه بعد أن تركت حلفاءها مكشوفين أمام إيران وأذرعها في المنطقة العربية.

بينما تحاول السعودية حالياً المضي نحو توقيع اتفاق سلام بين مجلس القيادة الرئاسي ومليشيا الحوثي، تحاول أمريكا تأجيل هذا الاتفاق، وفي كلا الحالتين لا يخدم محتوى الاتفاق أي طرف سوى مليشيا الحوثي.

رسمياً، لم يصدر أي تعليق حوثي على إعلان جروندبرج الأخير، لكن ترحيب الحكومة الشرعية بهذا الإعلان، يعني أن السلام المبشر به لا يزال عصياً على النضج، وأن مجلس القيادة الرئاسي غير موافق على الكثير من تفاصيل مسودة الاتفاق.

ففي حين رحبت وزارة الخارجية في الحكومة الشرعية بإعلان جروندبرج وجددت التأكيد على تعاملها الايجابي مع كافة المبادرات الهادفة لتسوية الأزمة في اليمن بالوسائل السلمية، جددت تمسكها بأن أي تسوية ستوافق عليها الحكومة لا بد أن تكون وفقا للمرجعيات الثلاث: المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الامن 2216، وبما يحقق تطلعات وآمال الشعب اليمني. وعند هذه النقطة يتضح أن اتفاق السلام الموعود لا يزال بعيداً وأن هناك أساسات للسلام لا يجب أن تتجاهلها أي جهود للتسوية.