لودر.. رصاصة ضد القاعدة وأخرى ضد الحوثي

السياسية - Friday 19 April 2019 الساعة 01:50 pm
لودر/عدن، نيوزيمن، محمود زبين:

شكلت قبائل لودر حالة فريدة من النضج الذي وصلت إليه القبيلة في المنطقة كلها، رافضة أن تكرر فيها أحداث جعار أو حتى استغلال القاعدة للسيطرة الشيعية في العراق لاستمالة القبيلة هناك، فضلاً عن تجربة شبوة ومأرب التي تساهلت مع الإرهاب.

عندما حاول تنظيم القاعدة احتلال المديرية عام 2012م خاض أبناء القبائل معارك طويلة معه، وقدموا قوافل من الشهداء والجرحى في سبيل التصدي للإرهاب، وعندما وصل الحوثيون إليها كانت سداً منيعاً ضد توغلهم في الجنوب.

شاهدت "الزُّوب" جرائم الإبادة الحوثية على "خبزة" فقرَّرت الصمود وانتصرت رغم التجاهل الرسمي والإعلامي والجوي

وكانت لقبائل لودر تجربة فريدة في الحرب على الإرهاب تمثلت في اللجان الشعبية، كأول تنظيم محلي ضد الجماعات الإرهابية، القاعدة.. ولاحقاً مقاومة جنوبية لمحاربة ميليشيا الحوثي العدوانية (الذراع الإيرانية في اليمن) متسلحة بالحق في مقاومة هذا العدوان أياً كان اسمه القاعدة أو صفته إرهاب حوثي إيراني.

مع تمكن الحوثيين من زمام الأمور في محافظة البيضاء، بالوصول إلى أجزاء من مكيراس، آخر مديرياتها.. بدأت استعداداتهم لاجتياح مديرية لودر أولى مديريات محافظة أبين، لما تكتسبه هذه المديرية من أهمية بالغة لموقعها الجغرافي الرابط بين الجزء الشمالي من البلاد بالجزء الجنوبي منها، والذي سيسهل اجتياح بقية مناطق محافظة أبين، وإيصال التعزيزات العسكرية والبشرية للحوثيين وصولاً إلى عدن.

"يافع" كتاب السيطرة على اليمن من البحر الأحمر إلى بحر العرب

وهو ما استدعى قبائل لودر اتخاذ موقف من هذه المليشيات البربرية، فإما الخنوع والعيش تحت ذلها وبطشها أو المواجهة المسلحة لطردها بما لها من تداعيات أبرزها إراقة دماء أبناء القبائل الذين لا يزالون يذرفون دموعهم على أقاربهم الذين سقطوا شهداء في معارك طرد الإرهاب من المحافظة.

عقدت قبائل لودر، لاسيما العواذل ودثينة وآل فضل، العزم على التصدي لأي هجوم من قبل الحوثيين، وأعلن زعماء قبائل لودر في اجتماع حاشد بمدينة لودر حضره آلاف المقاتلين من مديريات المنطقة الوسطى وضم قيادات السلطة المحلية واللجان الشعبية في منتصف فبراير 2015م عن رفضهم لما أسمي من قبل الحوثيين بالإعلان الدستوري، وحذروا مليشيات الحوثي من أي مغامرة قد يقدمون عليها، وأكدوا أن أبطال اللجان الشعبية الذين قاتلوا القاعدة منذ 2012م على أهبة الاستعداد وأتم الجاهزية لصد أي عدوان قد تقدم عليه المليشيات الحوثية المتطرفة، وتوعدوا أن تكون أبين مقبرة لهم.

وصاب وتهامة.. قصَّة الجبل والبحر

ودعا زعماء القبائل إلى التعبئة العامة ومساندة المقاتلين المرابطين في مديرية مكيراس، وهو الموقف نفسه الذي اتخذه نظراؤهم في مديريتي مودية والوضيع، والتي تشكل جميعها المنطقة الوسطى لمحافظة أبين.

وكانت الخطوة الأولى انتشار ما يقارب من 150 فرداً من اللجان الشعبية على امتداد نقيل ثرة، بأسلحة خفيفة ومتوسطة في مواقع عسكرية جبلية ونقاط تفتيش كخطوة استباقية بهدف تأمين حدود منطقة مديرية مكيراس المحاذية لمحافظة البيضاء وإغلاقها، كما احتشد مئات آخرون لمنع أي تقدم للمليشيات الحوثية صوب أبين والمدن الجنوبية الأخرى.

اجتياح البرابرة

اجتاح الحوثيون مديرية لودر بعد مقاومة شرسة ﻷبناء قبائل العواذل وآل فضل وآل دثينة أواخر مارس 2015م، بعد قصفها بالآليات الثقيلة من أعلى عقبة ثرة الجبلية المطلة عليها، مجبرين آلاف الأسر على ترك منازلهم والنزوح نحو مناطق آمنة، ليسيطروا بعدها على مدينة لودر ثاني أكبر مدن المحافظة بتعزيزاتهم الهائلة قبل أن يخوضوا جولات متعددة من القتال ضد أبناء قبائل المديرية.

بالمقابل اتخذت "عاصفة الحزم" استراتيجية جديدة في عملياتها الجوية تتمثل في استهداف طرق إمدادات الحوثيين ومنع وصول تعزيزاتهم إلى أبين، حيث دمرت الطائرات الحربية طرق التعزيزات، التي تربط بين محافظتي أبين والبيضاء لاسيما في عقبة "ثرة"، والتي كان الحوثيون يستخدمونها لإيصال إمداداتهم من البيضاء باتجاه عدن وأبين.

وما هي إلا أيام من المعارك البطولية التي خاضتها قبائل لودر حتى أعلن محافظ محافظة أبين، حينها الخضر السعيدي في أبريل 2015 عن استعادة معظم أجزاء المديرية بما فيها مدينة لودر في إطار عملية نوعية بعد تنفيذ عاصفة الحزم لعدد من الضربات الجوية الموجعة.

لتستغل مليشيات الحوثي الهدنة الإنسانية المعلنة من قبل قيادة التحالف العربي وتسيطر مرة أخرى على مدينة لودر في 13 مايو 2015، حيث أرسلت تعزيزات من محافظة البيضاء المجاورة وتمكنت من إحكام سيطرتها على المدينة، بعد ثلاثة أيام من المواجهات المستمرة مدعومة بقوات لواء المجد.

لم تكمل مليشيات الحوثي شهرين ونصف الشهر بعدها حتى تمكنت القبائل المرابطة على تخوم لودر من استعادة أجزاء كبيرة منها من قبضة الحوثيين، بعد استيلائها على جبل يسوف الاستراتيجي المشرف على طريق الإمداد العسكري للمتمردين، والمطل أيضاً على جميع منافذ لودر ومداخلها، ودحرها الحوثيين من الجهة الشمالية والجهة الشرقية، في حين بات تواجد المتمردين محصوراً في الجهتين الجنوبية والغربية.

بين مكيراس ولودر

مكيراس هي أحد أهم معاقل قبيلة العواذل، وأسقطتها مليشيات الحوثي في مارس 2015 عقب معارك سقط على إثرها الشيخ سالم علي البركاني، وعقب هزيمة قواتها في لودر على يد أبناء القبائل دفعت مليشيات الحوثي بقوة كبيرة ناحية مكيراس وأغلقت عقبة ثرة التي تربطها بمعقل السلطنة العوذلية "لودر".

لتبدأ مليشيات الحوثي بارتكاب مجازر وحشية بحق عواذل مكيراس لاسيما "بركان" انتقاماً من أبنائها الذين استبسلوا وقاوموا بشدة الاجتياح الحوثي في مارس 2015، ثم انتفاضاتهم المتوالية في أغسطس وسبتمبر من العام ذاته. فسقط عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين في قرى بركان والغول ومنصب وعرفان الواقعة أسفل عقبة ثرة وهجَّر الحوثيون نحو 3000 أسرة من مكيراس ونهبوا ودمروا نحو 280 منزلاً، حيث تمت مساواة بعضها بالأرض.

ويعتقد الكثير من أبناء قبيلة العواذل أن الحوثي بعملية عزل مكيراس عن لودر يقوم بتقسيم القبيلة التي يعيش أبناؤها بين لودر أبين ومكيراس البيضاء؛ لذلك أعلنت قبائل العواذل مرات عدة عزمها على تحرير مديرية مكيراس من الحوثيين.

ففي مطلع العام 2018م أعلنت العواذل أنها تستعد لتحرير مكيراس التي أعمل فيها الحوثيون القتل والتدمير منذ 2015م، واعتبروا "تحرير مكيراس استعادة للكرامة وطرد ميليشيات الانقلاب الإيرانية التي اجتاحت بلادنا بعنجهية وغرور وحان الوقت لهزيمتها".

وتم تشكيل لجنة من قادة عسكريين وقبليين للإشراف على العملية العسكرية وخاضت بالفعل قتالاً عنيفاً وصولاً إلى أعلى قمة عقبة ثرة؛ فردت الميليشيات الإجرامية بقصف مساكن المدنيين في بلدة الحضن غرب المديرية ما استدعى توقف العمليات ولو إلى حين.