من غير المعقول طبعاً أن "الله". وهو المطلق. مالك الملك، وسيّد الكائنات.. ينافس بضراوة للحصول على سلطات سياسية زمنية، وينخرط في حروب عبثية دامية بين فرقاء نوعٍ مشاكس من مخلوقاته على كوكب لا يساوي أقل من ذرة غبار في كونه اللامحدود!!
ثُمّ، حين يتعلق الأمر بذرة الغبار هذه. بكوكب الأرض، فمع من سيقف: مع النصارى أم البوذيين أم اليهود أم اليزيديين أم السيخ.. أم مع المسلمين..؟!
وعلى افتراض أنه سيترك كلّ عباده هؤلاء، وينحاز للمسلمين، فلمن سينحاز: للسنة أم الشيعة أم المعتزلة أم الخوارج..؟!
وحين يتعلق الأمر باليمن، فمع من سيقف، حربياً أو سياسياً: مع الشافعية التي أصبحت وهابية وإخوانا و.. و..، أم الزيدية التي أصبحت حوثية و.. و.. وإخوانا أيضاً..!!
من المحال على الكمال المطلق، أن يحمل نقائصنا، أو شهوات ونزوات كشهواتنا ونزواتنا الحيوانية، ويخوض في لُعبنا القذرة.. أو يمكن أن يشارك في انقلاب سياسي، أو يزاحم في انتخابات سياسية، أو يفكّر بالاستحواذ على البرلمان، والكرسي الرئاسي!!
لكن الذين لا يقدرون الله حق قدره، أقصد: الانتهازيين أو المغفلين. من أتباع الإسلام السياسي أو التجاري.. هكذا. بلا مقدمات أو مبررات معقولة، يجعلونه سلاحاً نوعياً في أيدهم، وحليفاً استراتيجيا يقف معهم ضد خصومهم خاصة في ميادين الحرب والسياسة!.
يخدعون به المغفلين والأطفال كأي لعبة سحرية، ويحشدون به الأتباع كأي شعار زائف، ويجمعون به الثروة سلعة مضروبة، ويضعونه في رقاب خصومهم كأي سلاح قاتل.!
ذات حربٍ غابرة بين حمص ودمشق، كان الملوك والكهنة في كلٍ من الدولتين يبتهلون إلى الإله الشمس، ويقدمون لها القرابين، ويطلب منها كل طرف أن تنصره على الطرف الآخر!.
تعليقا على المناسبة قال المؤرخ الكبير "جواد علي": يبدو أن ذلك جعل الإله الشمس في وضع محرج للغاية، ولا تدري مع من تقف من عُبّادها الأتـقياء المحاربين على الطرفين.!
الحروب الساخنة بين الفصائل الدينية كداعش وجيش النصرة، في سوريا، أو بين الطوائف كالسنة والشيعة، أو على مستوى أعلى كالحروب بين الأديان كما بين المسلمين والسيخ في الهند.. أو بشكل أقرب كالحرب بين الإخوان والحوثيين في اليمن، أو حتى بشكل بارد كالتنافس السياسي بين الإخوان والسلفيين في الانتخابات المصرية..
هذه كلها تجليات عصرية للظاهرة الوثنية السحيقة نفسها.. ظاهرة الدين السياسي، باعتبار الإله جزءا من اللعبة السياسية، كسلاح أو كورقة سياسية يراهن عليها أو يزايد أو يناور بها طرفٌ ما ضد خصومه الذين ربما كانوا أتقى وأنقى منه.!
هذا التصور يجعل الله، الذي ليس كمثله شيء. إنساناً لكن بمواصفات خارقة، له هوايات سياسية ونزعات توسعية، ويمكن تملقه واستمالته واستقطابه.. للمشاركة في لعبة صراعات المصالح البشرية النزقة..!.