حين يسألوننا، كيف أنتم وكيف تعز؟ نرد: "الحمد لله" بينما في الروح ألف غصة تتحشرج.
منذ أن قالوا إن تعز "تحررت" ونحن منذ ذلك الوقت نتساءل كيف تحررت ونحن ما زلنا مأسورين في سجن كبير، وقضبان من لهب، وقيود ذرعها سبعة وسبعون ذراعًا تغل أرواحنا السجينة في ظل تدهور كل شيء في تعز وتراجعه للأسوأ في كل الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فلا خدمات ولا طرقات ولا ماء ولا كهرباء ولا أمن ولا أمان والغلاء يلتهم كل شيء، فنظرة واحدة في وجوه التعزيين نعرف بها سريعا حجم المعاناة والألم والحرمان الذي يتجرعونه ويصطلون بلهيبه.
نحن التعزيين سجناء لواقع ضحل، ولسلطة مشلولة، وحكومة عقيمة، وعصابات تتحكم بتعز يقال عنهم "منقذون" لكنهم لم يزيدوا تعز إلا هلاكا ورجوعًا لأزمنة الغاب "القوي يأكل الضعيف"، بينما رجال الأمن صاروا يخافون على أنفسهم من بطشهم وتركوا لهم الحبل على الغارب يسرحون ويمرحون ويعيثون في تعز ويلًا وثبورا.
لا يعرف حال تعز إلا من يتجرع عذاباتها مع كل شروق للشمس وحتي المغيب.. فلم تعد الساعات تُحسب عندنا في تعز بعدد الدقات إنما بلسعات القهر والأنين والحرمان من الحياة، وصرنا نتنفس خوفا ورعبا من الحاضر قبل الآتي.
كل شيء في تعز لم يعد يوحي بالطمأنينة، لا الوجوه ولا الشوارع ولا الأرصفة.. لا الجدران ولا أضواء السيارات.. الكل عابس وصامت بينما في الأرواح العديد من الجروح تتحدث بصمت دفين.
اليوم، لا شيء يورق في تعز إلا تنهيدات المقهورين وأنين الجائعين، ودعوات الأمهات أن ينجي الله اليمن وتعز من كل شيطان مارد.. لا شيء يومض إلا زمجرة البلاطجة وأزيز طقومهم وصفير الرصاصات الطائشة في وجه كل كادح صاحب بسطة موز أو خضروات.
ستظل تعز دائمًا وأبداً جرحنا الراعف، ونبضنا الواجف وألمنا النازف، ودمعنا الواقف على بوابات المآقي استعدادا لنزف روحي يحرضنا على البوح كلما جن البكاء..
تعز ستظل صمتنا الثائر، وحلمنا الحائر، وعزنا السائر في طريق لا بد وأن نجد له مخرجًا كريمًا حتى وإن كبلتنا قضبان الكهوف وأحبطتنا مخالب الناقمين على تعز..
تعز.. وللمعاناة وجوه كثيرة.