تأتي حكومة وترحل أخرى، يزوال وزراء ويمكث غيرهم، وبين الحضور والرحيل نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً، لا نجد إلا جيوشًا إعلامية ومكبرات صوتية وخطباً رنانة لهذه الحكومات المتتالية، عن تحسين الواقع اليمني البائس، بينما النتيجة وطن مسجون في عنق المكبرات الصوتية، وطن ما زال رهيناً لقنوات فضائية عقيمة ليست سوى أبواق مهترئة تستميت في إعلاء شأن أصنام بشرية حنطهم أتباعهم كمومياءات جامدة تنعق بما لا تفعل، وتمارس التغرير على بسطاء هذا الشعب الكادح من أقصى اليمن لأقصاه، والسير على نعوشه وأضرحته وجوعه وفقره ومرضه.
يؤسفنا أن نقول ومن خلال وقائع الأحداث الدامية إن اليمن تحول لظاهرة صوتية تقودها حكومة شرعية صوتية متخمة ببريق الميكرفونات وحشد أكبر قدر ممكن من المغرر بهم والتمترس خلف شعارات زائفة اوصلت البلاد والعباد للهاوية، وحصروا اليمن وازماته في بهرج المكبرات الزائف.
فرغم فداحة الأوضاع السياسية الراهنة وشتات وتمزق البلاد وتفكك الجيش الوطني. ورغم ما نعيشه من شقاق وتناحر وتردي واقعنا الحياتي، وانكسارات المواطن اليمني ومعاناته المعيشية وظروفه المزرية، نجد هؤلاء منشغلين بتلميع صورهم خلف مكبرات الصوت كفاتحين بعبارات وكلمات لم تعد إلا فقاعات صابونية، لم تستطع منذ أمد طويل أن تُحسِّن واقعنا للأفضل، والشاهد على ذلك ان ما يقارب من 30 مليون يمني بائس لا تتوفر لهم على أرض الواقع أدنى مقومات الحياة البسيطة، يحلمون برغيف يابس وسقف آمن وحياة كريمة، ولا يجدون ذلك.
تناقضات مريعة يعيشها البلد وقد تسيدت الهيمنة واصطفت قوى الجمود والبطش والتراجع لدولة المماليك والسادة والعبيد.. تناقض أودى بواقعنا السياسي لأن تكون اليمن في قبضة زمرة مأجورة ممثلة بعصابة الحوثي، ما كانت وصلت لما هي عليه الآن من استقواء إن كان بلدنا بالفعل بلداً يسير على مبادئ الوطنية والدساتير المشرعة للعمل السياسي والوطني الحقيقي، وتسيد القانون وتساوي الرؤوس تحت مظلة شعارها "الوطن فوق الجميع".
الحوثي يتجمل خلف الأضواء، والشرعية تتجمل خلف الشاشات ومديح المرائين، بينما على أرض الواقع يصبون جام قبحهم على الأرض وعلى كرامة الإنسان ويجعلون عاليها سافلها، لا يمكنهم بأي شكل من الأشكال أن يحققوا للبلد سوى الانهيار الشامل ويجعلونا في قاع السعير.
هكذا يصير الحال جحيمًا حين يتسيد علينا مسؤولو المكبرات الصوتية ويخنقون فينا رمق الانعتاق.. لذا من المعاناة والاحتضار، لا مناص.