لاحظنا خلال العامين الأخيرين تزايد أعداد الفتيات اليافعات وحتى صغيرات السن ممن يبحثن عن عمل في شوارع المدن اليمنية الرئيسية، ولو كان ذلك العمل مبيت ليلة في فندق أو شقة مقابل مصروف يوم أو يومين بالكثير، وهي ظاهرة ليست بمنأى عن الاستغلال والاستثمار حتى من داخل بعض الأسر ذاتها أو من سماسرة متخصصين بهكذا أعمال.
كما لا يخفى الازدياد غير المسبوق للأطفال العاملين في التسول وغسيل السيارات. أما الأطفال الجنود فقد تضاعفت أعدادهم إلى أكثر من خمسة أضعاف ما كان عليه الحال قبل 2014م.
إجمالاً فقد ازدادت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة معدلات استغلال الأطفال في أسوأ أشكال عمالة الأطفال إلى أكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بما كان عليه الحال قبل 2015م بمعنى أن مئات الآلاف من الأطفال اليمنيين التحقوا بسوق العمل لأول مرة بعد أن تركوا مقاعد الدراسة.
تلك المعلومة فقط كافية لرفع الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي والإقليمي مستويات الخطر إلى الدرجة القصوى وبالتالي إيجاد وتنفيذ حزمة معالجات وتدابير كفيلة بالحد منها بشكل جاد وعملي وفعال.
هذا إن كانت لهم مصالح مستقبلية يحرصون على حمايتها.. لكن للأسف، مازال الطفل والطفولة في أدنى سلم الاهتمامات الحقيقية لمتخذي القرار في اليمن والخليج خاصة وفي المقدمة من ذلك حق كل طفل يمني في التعليم والحماية.
لو كان الساسة في اليمن والخليج يدركون الأبعاد الكارثية لمغادرة ثلاثة ملايين طفل مقاعد الدراسة مكرهين وانخراط مئات الآلاف منهم في سوق العمل -بينهم فتيات صغيرات- لإعالة أسرهم بشكل كلي أو جزئي لتغيرت سياسات وممارسات تلك الدول حماية لأمنها واستقرارها المستقبلي.
تلك واحدة من الإفرازات المباشرة للحرب وآثارها المدمرة، حيث نقلت غالبية اليمنيين من تحت خط الفقر إلى المجاعة، وهذا هو السبب الجوهري لزيادة الأطفال العاملين في أسوأ أشكال عمالة الأطفال.
هناك أسباب عديدة لمضاعفة نسب الأطفال الضحايا ومنها المجاعة والتدهور التاريخي للعملة الوطنية 535 ريالاً للدولار الواحد مقارنة ب215 قبل هذه الحرب، الأمر الذي سبب الارتفاع غير المسبوق في معدلات الفقر والبطالة، والارتفاع الجنوني في أسعار الغذاء والدواء والانهيار التام لنظام عدالة الأطفال والكبير في نظام التعليم الذي أسفر عن حرمان أكثر من ثلاثة ملايين تلميذ وتلميذة من مواصلة تعليمهم ونزوح أكثر من ثلاثة ملايين مواطن غالبيتهم من الأطفال ومقتل وإصابة آلاف الآباء والعائلين -مدنيين وعسكريين- وما يخلفه ذلك من أيتام وأرامل بعشرات الآلاف على الأقل جميعها عوامل ضاعفت من محنة الناس اليوم لكنها في الحقيقة ليست سوى كارثة مؤجلة ستصيب دول النفط والمصالح الدولية في الخليج والبحر الأحمر.
لقد فقد مئات الآلاف من العاملين في القطاعين الخاص والحكومي مصادر رزقهم، ولم يتم صرف مرتبات الغالبية الساحقة من موظفي الدولة منذ حوالي 16 شهراً حتى الآن.
تلك الأسباب وغيرها أجبرت آلاف الأسر اليمنية على قبول التحاق أطفالهم بسوق العمل مبكراً بما في ذلك التجنيد والاشراك في النزاعات المسلحة لتحسين سبل معيشتهم.