من الأمس صباحاً، وأنا أشعر بغروب الحياة في داخلي، امتداد من الفراغ يزداد اتساعاً كلما حدقت إلى حولي الذي يتلاشى ويغدو مشهداً أنظر إليه من ثقب إبرة.
كل شيء مات بداخلي فجأة ونكست الألوان وغمرت كل الملامح السواد، أن تعيش جوارحك الحداد وأنت تبدو كأنك على ما يرام لأمر ثقيل، وليس بوسعك لمس شيء، رؤية شيء، هذا ربما ما يسمونه فراغ الفؤاد، "وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها..."؟!
وهذا الرأس الذي يبدو حياً، يتحرك بشكل رتيب، كالجسد الذي يحمله، بلغه الفتور حد الإغماء، من الأمس خارت قواي، وأنا فقط أقرأ خبر مقتل عشرات الأطفال في صعدة، ليست الجريمة الأولى للتحالف ولهذه الحرب المراهقة ولن تكون الأخيرة.
ترى سير الحياة يبدو وقحاً حينما يستمر طبيعياً، فيما أشلاء عشرات من الأطفال في اليمن تتبعثر بضغطة زر من طيار أحمق يعود ليحتضن أولاده بعد نهاية يوم أدى وظيفته على أكمل وجه!
من الأمس كنت أبحث عن من بإمكانه التشاجر معي، لكي أصب عليه كل غضبي، كنت على استعداد تام لافتعال أي شجار، لكي أصرخ بكل الكلمات من داخلي وربما لكي أبكي في النهاية، لكني لم أجد أحدا، انشغلت بالعمل، وبعدها غرقت في نوم لمدة (12) ساعة كاملة، قمت وكلي تعب من النوم، استيقظت كمن عاد لحياة ظالمة رغما عنه، كان النوم جميلا لأنه غيبني قليلا عن الشعور بالألم، لكن إلى متى سوف ننام؟! إلى متى علينا خلق وسائل لكي لا نشعر بما يدور حولنا؟! لكي نخلق لامبالاة تجنبنا الشعور بكل شيء يحدث بطريقة بشعة؟!
إلى متى علينا تحمل هذه الحرب؟!
لا يمكن لأي شيء أن يقاوم الحرب، إلا السلام.
ولا يمكن لشيء أن ينقذنا من أهوال الحرب؛ إلا السلام أيضا، وعاشرا.
ولن يأتي السلام بدواء لكل تلك الآلام التي زرعت في كل بيت في اليمن، لكنه على الأقل سيقف تعميق تلك الجراح، سيقف ذاك المشرط الذي يجتز أضلاعنا.
لا أعتقد أن ثمة معجزة بشرية أو حتى إلهية بوسعها مداواة هذه الجراح التي خلفتها الحرب.
أشعر بالحزن، وربما تغدو هذه كلمة أيضا عاجزة عن وصف هذا الشيء المريع الذي يحدث في أعماقي،
وجداني لا يشفى بتلك البساطة، وليس بوسعي نسيان الوقائع وكأنها لم تحدث، وأذخر في ذاكرتي كل الصور التي أشاهدها وحتى تلك المشاعر التي أتوقعها.
استيقظت أبحث عن صور وفيديوهات لتلك الجريمة التي حولت عشرات الأطفال إلى أشلاء وجثث هامدة، لا لأعذب نفسي، لكن لعلي أخفف من أحزاني قليلا، ستبكي حال ما تراها ستبكي ولو كان قلبك حجر، ستبكي وأنت ترى نشيج وصراخ أحد الآباء وهو يبحث عن أطفاله في ركام من جثث وأشلاء الأطفال. عن الآباء الذين يبحثون بين الجثث والأشلاء عن أطفالهم من خلال ما تبقى من ملابسهم.
بالأمس كان الطيران الحربي للتحالف يمشط سماء اليمن بهستيرية، ويحصد أرواح المدنيين في مناطق شتى، هذا التحالف الذي زرع في قلوبنا كرها لن تمحيه عقود من السلام، ولن تداويه كل التدابير التي ستعقب أي سلام، يتصيد المدنيين في تمعن وتركيز عجيب.
أنا واحدة من الذين يكنون المقت الشديد للمملكة ولكل دولة في التحالف، وتلك التي تبيع الأسلحة لها، لن أسامح أي دولة تورطت بسفك دماء اليمنيين، سأظل ما حييت عدواً لتلك الدول، وإن كنت لن أتحول لقاتل في يوم من الأيام لكني أبدا لن أصفح عنها..
هذا الجوار السيء، سيظل خصماً لنا إلى أن نموت، وقد قررت أنه لن تطأ قدمي البلد المسمى السعودية إلى أن أموت، هذا موقف كنت قد اتخذته قبل فترة طويلة وأعلنه للعلن.
وتلك المقدسات أنا غني عن زيارتها ومتى ما وجدت حاجة أو حنين لزيارتها في يوم من الأيام فسوف أخذ تلك الأموال ولتكون من نصيب أي أسرة في اليمن بحاجة لها بنية زيارة بيت الله، لريال واحد يدفع ليذهب لحكومة بهذا الإجرام لحرام.
حرام، حرام أن تتوجه الوجوه والأموال لبلد بهذا القدر من السفالة والإجرام والبلادة، أنا أكره السعودية، أكره هذا البلد الذي تسبب ويتسبب في مقتل المدنيين في بلادي. وليست المرة الأولى التي يكون لهذا البلد اليد الطولى في تخريب اليمن أو غيرها، طالما ظل هذا البلد أداة عبث في بلادي وفي كثير من البلدان العربية. السعودية شر خالص.
إن كان الحوثيون أو غيرهم خصوما لها فإن تلك الخصومة مشكوك في أمرها بالنسبة لي ولا تعنينا. وفي السياسة لا عداوة أو تحالف دائم، أما ما يخصنا نحن المدنيين فخصومتنا وعداوتنا للمملكة ثابتة لن تتغير ولن تسقط،
لأن ما أحدثته هذه الحرب لن يمحيه أي تدبير سلام ولن يصلحه أي تعويض حرب تركت ندوبها على أجيال، على المملكة أن تنتظر هلاك هذه الأجيال لتعيد تصنيع علاقة محترمة بينها وبين بلد يدعى اليمن.
هذا لا يعني أنني لا أحمل الأطراف المحلية المسئولية، فلولا وجود كومة القمامة التي في الهرم لما غدا المواطنون ضحايا حرب منعدمة الشرف مثل هذه الحرب.