تعدد ألوان ونوعيات "الغتر والشيلان" وطرق ارتدائها في اليمن رسائل رمزية لمن يتأملها: يستحيل قولبة اليمنيين وتأطيرهم حد الإخضاع والتدجين المطلق.
هكذا هم اليمنيون كل فرد فيهم يتصرف ككيان مستقل بذاته، لذا هو من يحدد ماذا ومتى وكيف يلبس. إذ لن تجد اثنين يلبسان نفس النوعية والألوان في مناسبة واحدة؛ لابد أن تجد اختلافاً هو في جوهره وفكرته شاهد على عدم قابلية اليمني للقولبة والتأطير.
ذلك التنوع يخبئ تحته عقولاً حرة متقاربة قادرة على التفكير واتخاذ قراراتها بثقة؛ لذلك كان ابتلاع اليمن أو تذويب هويته بالقوة أمراً مستحيلاً على مر التاريخ؛ وفي المقابل كان اتفاق اليمنيين والتئام جراحاتهم أمراً ممكناً وسهلاً، ونهوضهم بعد السقوط لا يحتاج للكثير من الوقت والكلفة في حال وجدت القيادة القادرة على كسب ما تحت الغترة.
تجربة الرئيس الحمدي -لا زالت تلهمنا؛ تبعث فينا الحماسة. تقتل اليأس- فبعد أكثر من عقد من الحرب الجمهورية الملكية صارت اليمن -خلال أقل من ثلاثة أعوام- دولة نامية تتمتع بمؤشرات تعافٍ ذاتي وازدهار تعليمي واقتصادي وصناعي وتجاري وسياسي غير مسبوق؛ ازدهارٍ جعل الكثير من دول الجوار تقتبس منه وتحاربه في ذات الوقت.
منتصف سبعينات القرن العشرين أسكت اليمنيون المدافع وخرجوا يشقون الجبال بأظافرهم ويردمون الصحاري بأيديهم الفارغة وبأدوات بالغة التواضع والقلة.
واليوم... اليمن مستعدة للتعافي مما هي فيه أكثر من أي وقت مضى. شبع الشعب حرباً وموتاً ونزوحاً. وبات ضعف الساسة وضرر تجار الحروب -المحليين والإقليميين- أكثر انكشافاً وأضعف ناصراً مقارنة بذي قبل.
خلال وقت قياسي ستنتهي وتتوقف مشاريع الهدم المنتفشة، حيث باتت مكشوفة، عارية، منبوذة. وسيحل بدلاً عنها التعايش والسلام والمواطنة وسيادة القانون.
سيربط اليمنيون الغتر والمعاوز بكل ألوانها لتحويل بقايا خردة الصواريخ والدبابات المعطوبة شباييكَ لمدارس أطفالهم. ومحاريثَ وفؤوساً ومناجلَ لزراعة الأرض فقط إذا وجدت قيادة وطنية.. حرة.. شجاعة.. لديها الرؤية والجدية المطلوبة لاستعادة الدولة. عندها ستجد تلك القيادة أغلب "الغتر" في صفها لتحقيق أهدافها.