لنتخفف من كراهية الأحزاب السياسية وازدرائها وإعلان الحرب عليها والدعوة إلى إقصاء المنتمين إليها، لأن البديل عن المجتمع المدني، الذي تعد الحزبية أهم ركائزها، هو حكم الفرد المستبد الذي لا يقبل الشريك ولا يردعه شيء عن ظلم وقهر الشعب وتسخيره كيفما يشاء.
لكل صنعة أو حرفة أدوات ووسائل تستطيع بها إنجاز الأهداف والغايات التي تسعى إليها؛ ونظام الحكم في الجمهوريات -وحتى في الملكيات الدستورية- يتم من خلال الأحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية غير الحكومية والإعلام باعتبارها أفضل صيغة توصل إليها العقل البشري للخلاص من حكم الفرد وطغيانه.
لا أدري ما هي البدائل التي سيمارس دعاة اللا حزبية من خلالها أدوارهم السياسية؟ كيف سيشاركون في صناعة المستقبل؟ ما هي الوسيلة التي سوف يصلون من خلالها إلى المجالس المحلية؟ أو البرلمان؟ التمثيل الشعبي والجماهيري لتهامة على مستوى إدارة المحافظة من قبل أبنائها وعلى المستوى المركزي؟
يستحيل قيام أقاليم وحكم محلي كامل الصلاحيات ونظام إداري قائم على الكفاءة والاستحقاق الفعلي إلا من خلال أحزاب سياسية ومنظمات مدنية وإعلام حر يتحقق من خلالها مبدأ مشاركة المجتمع في تنظيم نفسه بنفسه وإدارة شؤونه وإيجاد الهياكل المرجعيات الناظمة لعلاقة المجتمع بالدولة والسلطة من منطلق الحق والواجب القائمين على الكفاءة والشفافية.
وبالمناسبة، فإن الحرب على السياسة والمجتمع المدني التي تمثل الأحزاب رافعتها الأساسية حرب خاسرة لا تقل خسارة من يتزعمها عن نطح الثور للجبل معتقداً أنه سيزيحه بقرنيه للوصول السهل إلى المرعى في الجهة المقابلة.
قد تكون تجربتنا السياسية الماضية اعتراها بعض القصور من قبل الأحزاب والمنظمات المدنية في تقديم أنفسهم وممارسة أدوارهم كحامل لهموم الشعب وطموحاته وهذا شي مقبول إلى حد ما بالنظر إلى قصر تجربتنا السياسية التي لم تتعد ثلاثة عقود.
لكن ذلك ليس مبرراً لمحاربة الحزبية وإعلان العداء عليها وإنما واجب النخب الثقافية والاجتماعية والناشطين والمناضلين وحتى الذين تسببت لهم الحزبية بأضرار شخصية أو فقد مصالح؛ واجبهم جميعاً التفكير بالوسائل المنطقية لإصلاح وتصويب أخطاء الأحزاب والمنظمات خلال الفترة الماضية.
نحن اليوم بحاجة ماسة إلى لملمة شتات المؤتمر الشعبي كمظلة وطنية جامعة، بها كوادر وخبرات تراكمية في الحكم والسياسة. الوطن بحاجة إلى تعزيز الدور الريادي لحزب الإصلاح في النضال السلمي ونشر قيم التعايش والسلام التي جسدها في تحالفه مع المؤتمر الشعبي، ثم اللقاء المشترك ثم القوى الشبابية والمدنية الحية وليس آخرها انخراط الآلاف من أعضائه في الإغاثة والتعليم والتنمية وغيرها من المجالات.
اليمن بحاجة إلى أن ينهض الاشتراكي والناصري والرشاد بأدوارهم كمؤسسات سياسية وطنية تنحاز للمواطن ومصالحه وحقوقه الأصيلة.