تحكم الدول وتتحكم وتقوى وتستمر بالمهابة، فإذا انتزعت مهابتها من قلوب أعدائها انهزمت، وإذا ذهبت من قلوب مواطنيها سقطت؛ تلك هي معادلة البقاء والقوة في الدول والأنظمة.
يبدأ العد التنازلي لأي سلطة حاكمة عندما تنحرف عن مسارها وتتحول عن وظيفتها من سلطة خادمة للشعب وحارسة له إلى عصابات مستبدة ظالمة للشعب، مبددة لأمنه في حياته وصحته ولقمته؛ راعية للظالم اللص المنتهك؛ قريبة إلى عدوه القريب والبعيد أكثر من قربها منه.
فإذا أصبحت أي سلطة حاكمة للدولة بتلك الصفات فإن سقوطها حتمي، وزوالها لا محالة، مهما امتلكت من القوة القاتلة. بل إن القوة القاتلة تحعلها أقرب للسقوط السريع من البقاء.
يموت الأطفال في بلادي جوعا وقتلا وتشريدا وامراضا هي في الأساس قابلة للتعافي رغم أنهم يعيشون على وفرة هائلة من الثروات البشرية والنفطية والزراعية والمعدنية والسمكية والغازية.
هذه أحد أكبر مؤشرات الظلم والعبث والفوضى الحاكمة لما يمكن أن يطلق عليها أنظمة حاكمة.
وما نراه في اليمن والجزيرة العربية اليوم يحمل مؤشرات خطيرة تنذر بتحولات كبيرة وجذرية ستشمل ليس فقط السلطات الحاكمة، ولكنها ستأتي حتى على كيانات ومكونات عديدة أصبحت جزءاً من معركة الصراع العبثي الأكبر، ومنها أحزاب سياسية وقوى مدنية واقتصادية وحتى قبلية، لأنها تعطلت أو عطلت عمداً عن القيام بوظائفها الحقيقية لتحقيق مبادئ العقد الاجتماعي الضامن لإيجاد وديمومة علاقة متزنة بين الحاكم والمحكوم؛ علاقة ترتكز معادلة الحقوق والواجبات المتكافئة بين طرفيها.
لا توجد في اليمن سلطة حاكمة منذ قرابة خمس سنوات؛ بل هناك "مليشيات قوية وحكومة ضعيفة"، وتلك هي معادلة الاحتلال المعاصر لموارد وثروات الشعوب والحيلولة بينها وعوامل الاستقرار الأمني والاقتصادي المفضي إلى النهوض والنمو الشامل.
فلا المليشيات تتمتع بالمشروعية التي تمكنها من التصرف كسلطة لها تمثيلها الداخلي والخارجي ولها قراراتها وأحكامها المشروعة؛ ولا الحكومة قادرة على ممارسة دورها في بسط الأمن والاستقرار والتنمية القائمة جميعها على الاستقلالية في اتخاذ وتطبيق القرارات. وبالتالي فإن كلاً من (الحكومة الضعيفة والمليشيات القوية) غير قادرين على الاستقلال عن اللاعب الأكبر صاحب المصلحة في إيصال البلد إلى هذه الحالة من الاحتراب والتشظي.
سقوط اليمن بهذا الشكل المريع وغير المسبوق، سيكون مقدمة لسقوط شركائه في الصراع أو على الأقل تعرضهم إلى هزات عنيفة تجعل ما قبل اليمن مختلفاً عما بعده، بغض النظر عن طبيعة أو حقيقة أهداف كل طرف وعن إسهاماته في هذه الحرب ظاهراً وباطناً.