في مثل هذا اليوم فجع الوسط الصحافي اليمني بفقد "صاحب الابتسامة" حميد شحرة... كان وما زال عنواناً لمرحلة فارقة في حياة الأسرة الصحفية اليمنية. فهو رمز حقيقي للإعلامي الحر صاحب الرؤية البعيدة المدى. كان شجاعاً مبادراً واثقاً في نفسه وقدراته بإيجابية عالية، قادراً على تحقيق النجاح الذي يريد.
كان حميد شحرة بالنسبة لي ملهماً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى؛ قرغم قصر معرفتي به إلا أنني بكيت عليه بكاءً لم يسبق أن بكيت على أحد قبله ولا بعده من الأصحاب.
كانت ليلة ال25 من أكتوبر 2006م كبيسة بائسة. كانت صدمة غير مسبوقة عندما وصلتني رسالة من أحد الزملاء عن الحادث. فأنا منتظر حميد يخرج إلى حرض ويتصل بي. ففي الليلة السابقة فاجأني باتصال قال لي انه بمكة وسيكون ليلة غد في حرض ربما يحتاج مساعدتي لو قرر يبيت هناك، لكن القدر كان بالمرصاد.
إن حميد كان أمة، هذه تنطبق عليه. فقد كان ملهما لجيله وربما اجيال قادمة.
تم تكليف لجنة تحقيق في ملابسات الحادث الاليم؛ كان الفقيد عبدالكريم الخيواني احد اكثر المنادين بالتحقيق وأكثرنا اعتقادا بأنه اغتيال سياسي؛ فالكثير من الشكوك ثارت بهذا الاتجاه خاصة وان حميد شحرة كان ذا دور بارز ومؤثر في الحملة الانتخابية الرئاسية مع المرشح فيصل بن شملان، رحمهما الله جميعاً.
قرر النقيب -حينها- نصر طه مصطفى تشكيل لجنة تحقيق برئاسة الزميل مروان دماج وكنت انا وحمدي البكاري وفتحي أبو النصر ضمن اللجنة للنزول الى الحديدة لذاك الهدف، حيث توصلنا الى ان الحادث لم يكن مدبرا.
ذات يوم وانا في شارع الزراعة تفاجأت بشخص "يشبث" شميزي ويجرنا معه وهو يوقف السيارة. التفت وجدته حميد شحرة: يا قرشي معك مصروف؟ قلت الحمدلله. نزل سلم عليّ ودس في جيبي عشرين الف ريال. قال: سير اتصرف وخزن ونتواصل يا حبيب.
كانت القيمة الأغلى من العشرين ألفاً هي مبادرة حميد الإنسان، ولأنها جاءت دون طلب ولا تلميح وكأنه يقرأ الغيب. ورغم معرفتي البسيطة به ورغم اننا لا اعمل في صحيفته الرائدة حينها "صحيفة الناس"..
كانت له لفتات إنسانية مميزة تجاه زملائه بتواضع ومحبة صادقة.
خلال وقت قياسي أصبح حميد رمزا للشاب الاصلاحي المتمرد على الظروف وعلى المحيط المليئ بالمحبطات؛ رمزا للشاب الغني بقوة ارادته وعزيمته؛ القادر على حفر النجاح الذي يريد في الصخر. القادر على تحويل نجاحه الشخصي الى نجاح ملهم محفز له وللآخرين.
لقد تحولت تجربة حميد شحرة المتصاعدة في صحيفة ثم مؤسسة الناس للصحافة بشكل غير مسبوق الى رافعة لنا جميعا تدعونا لشق طريقنا الى مشاريعنا الخاصة وتحقيق النجاح الذاتي المتغلب بجدارة وان لا نظل رهائن للظروف، وان لا ننتظر معونة حزب او سلطة، فنحن أقدر وأقوى إرادة وعزيمة من الحزب والسلطة والقطاع الخاص.
بكل فخر أقول بأن تجربة حميد شحرة كانت من أكثر ما حفزني لشق طريقي معتمدا على الله وارادتي؛ كانت حصانة ومناعة كي لا انهزم أمام الخذلان الكبير المحيط بي. وكان تشبيه البعض لي به في بعض التصرفات والمغامرات تغمرني بالكثير من السعادة والثقة بالذات.
رحم الله أخي وملهمي حميد شحرة.