صنعاء لا يمكن أن تصطبغ اجتماعياً بلون واحد، ولا يستطيع القادم إليها أن يميز الصنعائي عن غيره، هي كلون قزح لا ينقصها لون ولا يسيطر عليها لون واحد ويمارس حقه كأغلبية مناطقية.
كل حارة من حواري صنعاء مزيج من كل مناطق اليمن، ترتص المنازل وتختلف المناطق التي قدم منها سكانها وأصبحت بذلك تمثل نسيجاً مجتمعياً واحداً، لا تتدخل المناطقيه ولا الحزبية في إدارتها أو إحكام القبضة الأمنية عليها كمربعات صغيرة.
لكن لم تعد كذلك اليوم وخاصة بعد الزحف الحوثي على مدن الشمال ودك أوتادها وخلع أبوابها المعمرة، قادم بميليشياته المناطقية والعنصرية واستحلت كل مفاصل الدولة بعد تسريح الموظفين ونهب مرتباتهم.
ولكي يستمر الحوثي في إحكام قبضته الأمنية على كل ما يقع تحت سيطرته سنعرج بالحديث عن سيطرته على حارات صنعاء وتقسيمها إلى مربعات لا تديرها أجهزته الأمنية والاستخباراتية فقط بل أيضا عوائل المشرفين والمقاتلين القادمين من صعدة، بالإضافة إلى عوائل الأسر الهاشمية المتواجدة فيها.
في استراتيجيته التي اتبعها يقوم الحوثي بزرع عوائل الصعداويين في كل حارة بشكل هادئ وخفيف، ينسلون كنازحين أو عابري طريق دون الكشف عن معلومات تثير الريبة والشك عن رب الأسرة وجهة عمله كمشرف أمني أو إداري أو... الخ.
ثم تبدأ هذه العوائل والأسر بجمع كل المعلومات في نطاق سيطرتها بشكل سري ومعرفة أدق التفاصيل في كل منزل وكل بيت ورفعها بشكل دوري إلى الأمن الوقائي التابع للجماعة.
نقف اليوم أمام حالة من حالات الحكم الشمولي ونازية جديدة بعثتها تراكمات الماضي، تريد أن تخضع كل ما لها القدرة على أن تخضعه بكل الوسائل وفي كل مجال
ونجد في منازل وفلل الذين غادروا صنعاء رغبة أو رهبة من بطش الحوثي وإجرامه قد تحولت إلى منازل يقطنها الصعداويون أو الأسر الهاشمية في صنعاء ويتخذونها مقار لإقامة الدورات الثقافية والتدريبات العسكرية التي يمكن أن تقام في بدروماتها، حيث يتخذ الحوثيون الطابق الأول كسكن عائلي للتمويه عما يدور في البدرومات.
إنها غنائم أو مساكن الذين ظلموا، كما يقول الحوثي، لكنها مساكن لتوطين عناصر جماعته ليحكم قبضته الأمنية، إنه يتواجد في كل حي وحارة ومربع، عيونه تراقب كل شيء، كما كان يفعل الأخ الكبير في رواية 1984 لجورج اورويل، الأخ الكبير الذي سخر كل شيء في المجتمع ليخضع المجتمع من شاشات الرصد والمراقبة.
عندما نقول توطين الصعداويين لا نعني أولئك الذين يقدمون إلى صنعاء لأنها صنعاء حاضنة كل يمني، قدم إليها لعمل أو تجارة أو استحسن العيش فيها، فصنعاء لم تكن يوما مناطقية أو عنصرية كما يريد لها الحوثي أن تكون. وإنما نعني الصعداويين الأمنيين الذين يرتبطون ضمن شبكات الأمن الوقائي الحوثي لمراقبة كل فرد في المجتمع بشكل سري وهادئ، وكخطة من خططه الكثيرة والمختلفة لحكم المجتمع بالخوف والرعب والإرهاب، وعندما ينقشع التحكم الحوثي وتجنيد الأسر وتحريرها من سطوة الأمن الوقائي تعود عوائل في إطارها الاجتماعي لا في إطارها البوليسي.
لقد جعل الحوثي المجتمع في صنعاء مجتمعاً بوليسياً بامتياز، كل ركن وكل شارع يراقب ويذرف بالخوف والإرهاب، وتمتد سياط العذاب أمام الناس وعلى جلودهم. إننا أمام حالة مرعبة جداً يرتقب المجتمع أن تزول.