فجأة يستيقظ "هادي" وفي يديه قلم وورقة، بعد أن قرر من أجل التاريخ تدوين مذكراته ومسيرته طوال فترة توليه المسؤولية كنائب للرئيس ثم رئيس ثم مستقيل يقود معاركه من الخارج بعيداً الناس وعن المعارك.
في أول صفحة وأول سطر منها يضع القلم ليكتب، لكنه توقف.. ماذا يريد أن يكتب.. هنا تكون النقطة التي يشعر فيها أن لا شيء في رأسه لتدوينه، لا شيء يمكن للتاريخ أن يستفيد منه بشكل إيجابي، يحاول أن يكتب، لكن القلم لا يتحرك من أول السطر، لقد تخشبت يده وتجمدت كل الأفكار في عقله.
ينتظر قليلاً.. ربما هو التوتر يعيق التدوين، وربما هو القلق الزائد عن عدم تحقيق ما يريده من التدوين، إنهما مهمة ومسؤولية رئيس جمهورية، الذي الآن لا بد أن يصنع مع التاريخ موقفا واحدا.
بعد قلق كبير تقدم "هادي" في كتابة أول كلمة ثم تلتها الثانية وأكمل كتابة جملة وكانت:
أن تكون رئيس جمهورية لا بد لك من قراءة كتاب الأمير للمؤلف ميكافيللي، لكن لا تنفذ توصيات.
هذه الجملة التي يريد "هادي" أن يأتي بأفضل من دهاء ومكر ميكافيللي، لأن الأخير كان فقط طامحا للمناصب، ولأنه داهية أصبح مؤلفا لكتب هي عصارة تجاربه وخبراته في الحياة السياسية، بينما "هادي" هو الشخص السياسي الذي لا يمكن أن يكون مؤلفا، لأنه لن يفيد أحدا بشيء رغم التجارب والهزائم.
ربما سيكتب عن مغادرته صنعاء وتركه للمسؤولية في أقبية ورقة من خلالها قدّم استقالته ثم تراجع عنها بعد فراره كالهارب من المعركة.
الهروب من المعركة في القاموس العسكري خيانة، والخيانة في قاموس هادي لن يستطيع تدوينها في مذكراته لأنها مارسها في أبشع صورها وأقذرها عندما ترك صنعاء تسقط أمام الحوثي ورفض مقاومته.
هادي سيكتب أشياء كثيرة ولكنه لن يكتب شيئا، سيكتب عن عبور المضيق ولكنه عاجز عن العبور، سيكتب عن الحرب لكنه جبان لا يقوى على المواجهة، سيكتب عن المقاومة لكنه سلّم صنعاء بدون مقاومة، سيكتب عن الفساد لكنه لن يستطيع ذكر نفسه وأولاده وعلي محسن والإخوان، سيكتب عن الجمهورية لكنه يتجنب من باعها وهدم مبادئها، سكيتب عن "هادي" لكنه لن يكتب عن "الرئيس هادي".
لن يستطيع "هادي" أن يكتب شيئا في مذكراته، هو لا يمتلك شيئا يستحق أن يكتبه، على الرغم أن كل الإمكانيات المحلية والإقليمة والدولية كانت مسخّرة له ليمضي قدماً، قتله الإدمان للحقد والكراهية وأصابته بلوى العمى السياسي لأن يكون صانع التاريخ لا الهزائم.
هو الرئيس الوحيد الذي بيديه أن يحقق المستحيل، لكن العجز غلبه، والحقد طغى عليه، والانتقام اعتلى رأسه، وزد على ذلك أحاط نفسه بكيان الإخوان، الذي يشترك مع قادته في الانتقام السياسي والذهاب بالبلد نحو المجهول، وهذا ما دفعهم لأن يقرروا عدم الخوض مع الشعب في حربه ضد الحوثي.