مخدرات وصراعات قبلية.. أدوات حوثية لإحكام السيطرة على الجوف

السياسية - منذ ساعتان و 37 دقيقة
الجوف، نيوزيمن:

تحوّلت محافظة الجوف اليمنية، الواقعة شمال شرق البلاد، إلى واحدة من أخطر نقاط التهريب في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، بعد أن كانت لعقود منطقة حدودية ذات طابع قبلي ومحافظة زراعية هادئة.

هذا التحوّل لم يكن عفويًا، بل نتيجة مباشرة لسياسات منهجية اتبعتها الميليشيا المدعومة من إيران، جعلت من الجوف عقدة لوجستية لتمويل عملياتها عبر شبكات تهريب المخدرات والسلاح، مستغلة موقعها الجغرافي القريب من الحدود السعودية، ومساحتها الشاسعة وضعف مؤسسات الدولة فيها.

شبكات منظمة 

وقال مدير إدارة مكافحة المخدرات بمحافظة الجوف، المقدم عبدالعزيز هادي عبدالله، إن ظاهرة تهريب المخدرات في مناطق سيطرة الحوثيين تصاعدت بشكل غير مسبوق، مؤكدًا تورط نساء وأطفال من الأسر الفقيرة في تلك العمليات بإشراف مباشر من قيادات الميليشيا.

وأوضح المقدم عبدالله، في تصريح صحفي، أن تدهور الأوضاع المعيشية واستفحال الفقر دفع بعض الأسر إلى الانخراط في شبكات التهريب كمصدر دخل، فيما تحوّلت تجارة المخدرات إلى أحد أهم الموارد المالية للقيادات الحوثية التي تستخدمها لتمويل أنشطتها العسكرية والأمنية غير المشروعة.

وأشار إلى أن التنافس بين قيادات الميليشيا على السيطرة على تجارة المخدرات أفرز عصابات منظمة تعمل بشكل علني في ظل غياب القانون، ما أدى إلى انتشار الظاهرة بشكل غير مسبوق في تاريخ المحافظة. وأضاف أن محافظة الجوف أصبحت مركزًا رئيسيًا لتخزين وتوزيع المخدرات، خصوصًا حبوب الكبتاجون المعروفة محليًا بـ"حبوب الصرفة"، والتي تُباع علنًا في بعض المنازل في ظل حماية غير مباشرة من عناصر حوثية.

تجارة رائجة 

لم تعد تجارة المخدرات في الجوف مجرّد نشاط سري أو محدود النطاق، بل تحوّلت إلى صناعة منظّمة تديرها ميليشيا الحوثي بعقلية أمنية واقتصادية متكاملة، وفق مصادر محلية مطلعة. فقد عمدت الميليشيا إلى تحويل عدد من المزارع الواقعة في أطراف مدينة الحزم، إضافة إلى مقار حكومية سابقة ومخازن تابعة لشركات تجارية، إلى مراكز تخزين وتجميع للمواد المخدرة والأسلحة المهربة، مستفيدة من ضعف الرقابة وامتداد المساحات الصحراوية الواسعة التي تربط الجوف بمحافظتي صعدة ومأرب.

وتؤكد تقارير ميدانية أن شبكات النقل التي تديرها الجماعة تعمل وفق منظومة تهريب متكاملة، تستخدم فيها مركبات مدنية وشاحنات نقل بضائع لإخفاء شحنات المخدرات، إلى جانب الاعتماد على طرق صحراوية فرعية غير مأهولة تمر عبر مديريات الخب والشعف وبرط العنان، لتأمين وصول البضائع إلى مراكز التجميع في صعدة، قبل إعادة توزيعها إلى مناطق أخرى داخل اليمن وخارجه.

وبحسب نشطاء محليين، فإن هذا النشاط الإجرامي الواسع لا يهدد فقط الأمن المحلي، بل يضرب في عمق النسيج الاجتماعي والقيم القبلية التي تميّز المجتمع الجوفي، حيث تعمل الميليشيا على استقطاب الشباب العاطلين وإغرائهم بالأموال للمشاركة في شبكات النقل والحراسة والتوزيع، قبل أن تُحوّلهم لاحقًا إلى مقاتلين ضمن صفوفها المسلحة.

ويحذر خبراء أمنيون من أن تجارة المخدرات باتت تمثل موردًا ماليًا ضخمًا يوازي عائدات الجبايات غير القانونية التي تفرضها الميليشيا، ما يمنحها قدرة على تمويل أنشطتها العسكرية والإعلامية، وتوسيع شبكات نفوذها داخل المناطق القبلية.

ويؤكد مراقبون أن مكافحة هذا الخطر تتطلب تكاتفًا وطنيًا واسعًا بين الأجهزة الأمنية والسلطات المحلية والمجتمع المدني، لمواجهة شبكة تهريب باتت تُدار بعقلية عسكرية منظمة، وتُستخدم كذراع اقتصادية لتمويل حرب الحوثيين ضد اليمنيين واستهداف استقرارهم الاجتماعي والاقتصادي.

تفكيك القبيلة

تصاعد تجارة المخدرات في محافظة الجوف ليس ظاهرة عشوائية، بل جزء من مخطط ممنهج تتبناه ميليشيا الحوثي لتحويل المحافظة إلى بؤرة تهريب رئيسية تربط بين الداخل اليمني وشبكات التهريب الإقليمية القادمة من الحدود الشمالية. وتستغل المليشيا هذا النشاط غير المشروع لتأمين تمويل إضافي لأنشطتها العسكرية، وفي الوقت نفسه لفرض سيطرتها على المناطق القبلية الواسعة عبر أدوات ناعمة تقوم على إشاعة الفوضى، وإضعاف النسيج الاجتماعي، وإشغال القبائل بصراعات داخلية مفتعلة.

وبحسب محللين، فإن الحوثيين يدركون الأهمية الجغرافية للجوف باعتبارها نقطة وصل استراتيجية بين صعدة ومأرب وحضرموت، ولهذا يسعون إلى تثبيت حضورهم فيها من خلال إدارة شبكات تهريب المخدرات والسلاح كوسيلة لبسط النفوذ وتدجين القيادات القبلية عبر الإغراءات المالية أو التهديد المباشر. ويضيف المراقبون أن الجماعة تغذي الخلافات والثارات القديمة بين القبائل لخلق بيئة من الانقسام والريبة، تمنع أي إمكانية لتوحيد الصفوف في مواجهة مشروعها التوسعي أو لوقف أنشطتها الإجرامية.

وتشير تقارير محلية إلى أن المليشيا تلجأ إلى إشعال النزاعات على الموارد وأراضي النفوذ بين القبائل، ثم تستغل حالة الفوضى الناتجة لضمان مرور خطوط تهريب المخدرات والأسلحة في عمق مناطقهم دون اعتراض يُذكر. هذه السياسة المزدوجة — الجمع بين التهريب وإشعال الصراعات — جعلت من الجوف اليوم واحدة من أكثر المحافظات هشاشة أمنيًا واجتماعيًا، ومسرحًا لتغلغل النفوذ الحوثي تحت غطاء “الاضطراب القبلي”.

استمرار هذا النهج الحوثي لا يهدد فقط أمن الجوف، بل يقوّض فرص التنمية والاستقرار في عموم الشمال اليمني، إذ تحوّل الجماعة الصراعات القبلية إلى أداة استراتيجية لتأمين طرق التهريب وترسيخ وجودها العسكري والسياسي، في إطار مشروع أوسع يهدف إلى تحويل المحافظة إلى مركز عمليات يخدم مصالحها الإقليمية المتصلة بالنظام الإيراني وشبكاته العابرة للحدود.