حسام ردمان يحذرمن توافق جريفث والحوثي لافشال "الرياض" ويراقب "حسابات الشرعية" وينبه "الوسيط السعودي"

تقارير - Sunday 18 October 2020 الساعة 12:00 am
نيوزيمن، كتب/ حسام ردمان:

على الصعيد الإنساني، مثّل اتفاق تبادل الأسرى الأكبر في اليمن، انفراجة غير مسبوقة انتظرتها مئات الأسر الموجعة، وهي خطوة تشق جليد المسار الديبلوماسي المجمّد منذ عامين.

أمّا سياسياً فإنّ هذه "الصفقة المتأخرة" لا تعدو عن كونها خطوة رمزية تحفظ ماء وجه المبعوث الأممي، لكنها لا تقود بالضرورة إلى وقف نزيف الدم اليمني.

في المحصّلة فرص السلام لا تحكم بناءً على مشاعر واحتياجات السواد الأعظم من المواطنين التوّاقين إلى وقف الصراع، بل تُقاس بناء على حسابات وتوازنات المتصارعين ونضج الظروف الموضوعية للتسوية.

وقد ارتبط نجاح هذه الخطوة بحسابات الحوثيين التكتيكية وحاجتهم الى تحقيق ٣ أهداف مرحلية؛ أولاً تخفيف ضغوط صافر، وثانياً تعديل الإعلان المشترك لوقف الحرب وإقراره بسرعه، وثالثاً التشويش على مسار اتفاق الرياض، لأنّ نجاحه يعني تحوّله إلى إطار مرجعي للحل السياسي الشامل بدلاً عن مبادرة غريفيث.

وفي سبيل هذه الأهداف يستخدم الحوثي سياسة العصى والجزرة؛ أولاً يفُرج عن مختطفين لتخفيف الضغوط الدولية بخصوص صافر مع الإبقاء عليها كرهينة استراتيجية بيد طهران في حال تعرضت لهجوم في الحديدة أو مضيق هرمز (لذا لم تقتصر صفقة التبادل على الأمم المتحدة بل ترافقت مع صفقة أمريكية لثني واشنطن عن تهديدها بتصنيف الحوثي كجماعة إرهابية).

وثانياً يلوح الحوثي بإسقاط استوكهولم من خلال تصعيده الميداني في الحديدة فيُعيد توجيه تحركات غريفيث الذي يخشى من فقدان إنجازه الديبلوماسي اليتيم. وأخيراً يستميت عسكرياً لإسقاط مأرب كي يربك حسابات الشرعية والتحالف.

>> "تبادل الأسرى" أم إعادة مقاتلي الحوثي مقابل إخلاء سجونه لمعتقلين جدد.. الشرعية "تواصل" التنكيل بجبهاتها

لكنّ إخفاق الاندفاعة الحوثية في مأرب حال دون فرض معادلة استراتيجية جديدة، وحسّن موقف الشرعية التفاوضي خلال هذه الجولة، وأتاح لها التركيز مجدداً على إدارة الصراع جنوباً، بينما تلعب دوراً تعطيلياً مزدوج للمسارين الأممي والسعودي.

ومن المتوقع أن تمضي الشرعية قُدماً في إسقاط "الإعلان الأممي المشترك"، لكنها على ما يبدو تربط رفضها النهائي لمقترحات غريفيث بالعرض الجديد الذي سيقدّمه الوسيط السعودي بخصوص الملف الأمني لاتفاق الرياض. ومن هنا يُمكن قراءة التصلب المفاجئ الذي أبدته قيادة الشرعية في مفاوضات الرياض بالتزامن مع زيارة غريفيث للعاصمة السعودية، وذلك برغم ما تم انجازه من توافقات مهمّه على مدار الأسابيع الأربعة الماضية.

من جهة أخرى قال رئيس المجلس الانتقالي إنّه وقواته سيظلّون في حلّ من الإعلان المشترك مالم يكونوا جزءً منه، وهو بذلك يضرب عصفورين بحجر؛ فإمّا أن يدُمج بشكل مباشر في المفاوضات الثنائية بين الشرعية والانقلابيين - وهو أمرٌ مستبعد حالياً - أو انه سيعمل علنا على اسقاط الاتفاق، وهكذا فإنّه يقدم للسعوديين خدمة جليلة بتغليب مسارهم التفاوضي على المسار الأممي.

لقد عانى مسار السلام في اليمن خلال الأعوام الماضية من ثلاث معوقات أساسية: ضعف الشرعية وتصاعد انقساماتها البينية وارتباك حلفائها الإقليمين، تعنّت طهران ووكلائها لاسيّما بعد إلغاء الاتفاق النووي وسياسة الضغط الأقصى، وأخيراً استبعاد ممثلي القضية الجنوبية والأحزاب السياسية عن مشاورات وقف الحرب.

واليوم ثمّة تناقض جديد يُضاف إلى هذه القائمة؛ تنافس الوسطين الأممي والسعودي على التفرد بمسار الحل السياسي. وعليه فإنّ جهود الطرفين تتنافر بدل أن تتكامل.

صحيح أنّ مبادرة غريفيث تنطوي على قيمة إنسانية هامّة إذ أنّها ساعدت مئات الأسر على استعادة أبناءهم، لكنّها سياسياً لا تبدو قادرة على تقديم المزيد في ظل التوازنات الراهنة وفي ظل الحسابات السياسية المتضاربة.

بالمقابل تبدو الرياض أقدر على تحقيق "تسوية انتقالية" في المناطق المحررة تقود نحو تسوية شاملة، وهي تمتلك الإرادة والموارد اللازمة للنجاح، لكنها بالمقابل تفتقر الى الأدوات والخبرة الكافية للنجاح.

بالمنطق، فإنّ على جريفيث والسعودية أن يستثمرا أكثر في إنجاح اتفاق الرياض بدل أنّ يستنزفا جهودهما في مسارين متعارضين، والفرق بين اتفاق الرياض وإعلان مارتن جريفيث كالفرق بين المبادرة الخليجية واتفاق السلم والشراكة.

>>إفشال تشكيل الحكومة يعزز دور الحوثي ويعاقب المحافظات المحررة.. حملات الفوضى الإخوانية ومهمة إفشال "الرياض"

>>أشعل الحوثي الساحل طمعاً في تقطيع "المشتركة".. فتح الطريق بين نقطتي وجوده في "الدريهمي" وعاد هارباً إلى "السويد"

الأول يراعي التوازنات المحلية والمصالح الإقليمية ويفتح أفقاً سياسياً لإتمام عملية التغير والإصلاح السياسي، أمّا الثاني فهو "اتفاق لأجل الاتفاق" يهدف الى شرعنة الأمر الواقع (المتمثل هنا بالحوثي) وبالكاد يضمن تحقيق بعض الاختراقات الإنسانية.

* حسام ردمان هو زميل باحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. تتركز أبحاثه على الحراك الجنوبي والجماعات الإسلامية المسلحة في اليمن، مثل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والفصائل السلفية المسلحة. وهو أيضاً مراسل لقناة دبي التلفزيونية، وعمل سابقاً لصالح صحيفتي الشارع اليمنية والأهرام المصرية.